الجمعة, 25 يوليو, 2025
د. عبد الرزاق زريوح
أستاذ محاضر بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، سايس – فاس
العدد الثالث، ماي 2025
مقدمة البحث:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين، محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد؛
فمن المناسب قبل تناول موضوع صناديق الزكاة بوصفها آلية لتمويل الاقتصاد التضامني، وتخصيص حالة صندوق الزكاة بالمغرب بالتحليل والدراسة، أن نقدّم له بمقدمة تتضمن سياقه العام، وتحديد إطاره ومجاله، مع بيان أهميته، وتوضيح أهداف الدراسة، وبيان إشكالها العام.
سياق الدراسة:
تُعتبر الزكاة في المنظور الإسلامي أهم مؤسسة تهدف إلى تحقيق التكافل والتضامن الاقتصادي، لأنها تهتم بالإنسان وتضمن له الحد الأدنى من العيش الكريم، وذلك بالعمل على إعادة توزيع الثروة بطريقة عادلة بين أفراد المجتمع الإسلامي، من خلال أخذها من أغنيائه وردها على فقرائه. وكادت تصبح الزكاة في بعض الأحيان، وبعض البلدان، الفريضة المنسية أو الغائبة، ثم عادت الحياة إلى بعض جوانبها، وارتفعت الدعوة إليها، والتذكير بها، والتوعية بأهميتها ودورها، حتى فرضت نفسها من جديد على الساحة، وصدرت فيها الأنظمة واللوائح والقوانين في كثير من البلاد الإسلامية، وأقيمت لها المؤسسات والأجهزة، خاصة مع تنامي الفكر الاقتصادي الإسلامي، ونجاح منظومته ومؤسساته في الصمود وتجاوز الأزمات بكل يسر.
إطار الدراسة ونطاقها:
وفي هذا السياق، تتميز الزكاة في شريعة الإسلام بأنها أحد المصادر المعتمدة للدولة المسلمة في تمويلها للمشاريع التنموية للفئات المندرجة ضمن مصارف الزكاة ومستحقيها. وهي المسؤولة عنها جباية وصرفا، قبل أن يتحول أمر فريضة الزكاة في واقعنا المعاصر إلى شأن يتعلق بإرادة الأفراد أنفسهم ومدى قوة وضعف الوازع الديني عندهم أداء وتوزيعا.
وقد نتج عن ذلك تفويت لأكثر مقاصد الزكاة التنموية والاقتصادية، وهو ما دفع بكثير من الدول الإسلامية إلى مأسسة الزكاة مرة أخرى، وإنشاء صناديق خاصة بها، وقد عرفت التجربة نجاحا كبيرا في بعض الدول، وأصبحت أداة فعالة في عملية التنمية من خلال الدور الكبير الذي تؤديه في إعادة توزيع الثروة والدخل ومحاربة الاكتناز وتشجيع الاستثمار والتخفيف من مشاكل البطالة، وذلك من خلال دعم استثمار أموال الزكاة في مختلف أنواع المشاريع التي تساهم في تحقيق التنمية المستدامة وإرساء نموذج اقتصادي تضامني فعال.
أهمية الدراسة:
وتنبع أهمية هذا الموضوع من كون صناديق الزكاة أصبحت في عدد من الدول الإسلامية وسيلة ناجعة لتحقيق أهداف اقتصادية واجتماعية كبرى، من قبيل إعادة توزيع الثروات، وتقليص الفوارق الاجتماعية، وتشجيع الاستثمار المنتج، والمساهمة في التخفيف من البطالة. ومن ثمّ، فإن الحديث عن الزكاة لم يعد مجرد استحضار لفريضة دينية، بل بحث في آلية تنموية قادرة على إحداث تغيير فعلي في النسيج الاقتصادي والاجتماعي من خلال نماذج مؤسسية فعالة.
أهداف الدراسة:
وتهدف هذه الدراسة إلى الحديث عن صندوق الزكاة كآليَّة رائدة في دعم الاقتصاد التضامني وإرساء دعائمه، من خلال التعريف به، وبيان خصائصه وأهميته ومهامه؛ ثم تشخيص وتقييم واقع هذا الصندوق بالمغرب، وسياق إحداثه، وأسباب تعثره، ومؤشرات الحاجة الماسة إلى تفعيله، خاصة في وقتنا الحاضر؛ وبيان الجوانب المالية والمحاسبية والتنظيمية والإدارية لصندوق الزكاة بالمغرب التي يجب على الجهات الوصية أخذها بعين الاعتبار من أجل تفعيل ناجح لهذا الصندوق، والتفكير في إحداث صناديق جهوية تلائم توجه المغرب نحو الجهوية المتقدمة، من أجل إحداث قدر من التوازن التنموي والاقتصادي لهذه الصناديق بين مختلف جهات المملكة، وتحفيز التنمية المحلية بها.
إشكالية الدراسة:
تنطلق إشكالية هذه الدراسة من التباين القائم بين الأهمية النظرية لصناديق الزكاة كآلية لتمويل الاقتصاد التضامني، والواقع العملي المتعثر لصندوق الزكاة بالمغرب، مما يجعلنا نتساءل:
-إلى أي مدى يُعَدُّ غيابُ الإطار القانوني والتنظيمي المُلزِم عائقًا رئيسيًّا أمام تفعيل الصندوق في المغرب، رغم أهميته النظرية في تحقيق التضامن الاقتصادي؟
-وكيف يمكن إرساء هيكل مؤسسي ومالي محكم لصندوق الزكاة بالمغرب يضمن تفعيل دوره في تمويل الاقتصاد التضامني، مع مراعاة مقتضيات الجهوية المتقدمة ودعم التنمية المحلية؟
-وهل يُعَدُّ غياب الإرادة السياسية والتشريعية لتنظيم صندوق الزكاة في المغرب - عبر إصدار تشريع ملزم يُحدِّد آليات الجباية والصرف والرقابة، أحد أسباب التعثر الحاصل؟
لقراءة المقال كاملا:
المركز المغربي للاقتصاد التشاركي، مركز مستقل غير ربحي، تأسس سنة 2019 بمدينة أكادير، من قبل مجموعة من المتخصصين والمهتمين بالاقتصاد والمالية التشاركية، منتسبين لمجالاته الثلاث؛ الفقه والاقتصاد والقانون. وتكمن رؤيته في الإسهام في التعريف بمقتضيات الاقتصاد التشاركي وإبراز دوره التنموي في شموليته، والوعي بخصوصياته التأصيلية وسياقاته التنزيلية وتطبيقاته المعاصرة.